فصل: تفسير الآيات (1- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة البروج:

.تفسير الآيات (1- 10):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
قوله تعالى: {والسماءِ ذاتِ البُروجِ} هذا قَسَمٌ، وفي البروج أربعة أقاويل:
أحدها: ذات النجوم، قاله الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني: ذات القصور، قاله ابن عباس.
الثالث: ذات الخلْق الحسن، قاله المنهال بن عمرو.
الرابع: ذات المنازل، قاله يحيى بن سلام وهي اثنا عشر برجاً رصدتها العرب والعجم، وهي منازل الشمس والقمر.
{واليومِ الموْعُودِ} روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوم القيامة، وسمي بذلك لأنهم وعدوا فيه بالجزاء بعد البعث.
{وشاهدٍ ومَشْهودٍ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، روى ذلك أبو عرفة، روى ذلك أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن الشاهد يوم النحر، والمشهود يوم عرفة، قاله إبراهيم.
الثالث: أن الشاهد الملائكة، والمشهود الإنسان، قاله سهل بن عبد الله.
الرابع: أن الشاهد الجوارح، والمشهود النفس، وهو محتمل.
الخامس: أن المشهود يوم القيامة.
وفي الشاهد على هذا التأويل خمسة أقاويل:
أحدها: هو الله تعالى، حكاه ابن عيسى.
الثاني: هو آدم عليه السلام، قاله مجاهد.
الثالث: هو عيسى ابن مريم، رواه ابن أبي نجيح.
الرابع: هو محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن بن علي وابن عمر وابن الزبير، لقوله تعالى: {فكيفَ إذا جِئْنا من كلِّ أمَّةٍ بشهيد وجئْنَا بِك على هؤلاءِ شَهيداً}.
الخامس: هو الإنسان، قاله ابن عباس.
{قُتِل أصحابُ الأُخْدُودِ} قال الفراء: هذا جواب القسم، وقال غيره: الجواب {إنّ بَطْشَ ربِّكَ لَشديدٌ} والأخدود: الشق العظيم في الأرض، وجمعه أخاديد، ومنه الخد لمجاري الدموع فيه، والمخدّة لأن الخد يوضع عليها، وهي حفائر شقت في الأرض وأوقدت ناراً وألقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر.
واختلف فيهم، فقال عليّ: إنهم من الحبشة، وقال مجاهد: كانوا من أهل نجران، وقال عكرمة كانوا نبطاً، وقال ابن عباس: كانوا من بني إسرائيل، وقال عطية العوفي: هم دانيال وأصحابه، وقال الحسن: هم قوم من أهل اليمن، وقال عبد الرحمن بن الزبير: هم قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين، وقال الضحاك: هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تُبَّع الحميري وكانوا نيفاً وثمانين رجلاً، وحفر لهم أخدوداً أحرقهم فيه، وقال السدي: الأخدود ثلاثة: واحد بالشام وواحد بالعراق، وواحد باليمن.
وفي قوله: {قُتِل أصحابُ الأُخْدُودِ} وجهان:
أحدهما: أُهلك المؤمنون.
الثاني: لُعن الكافرون الفاعلون، وقيل إن النار صعدت إليهم وهم شهود عليها فأحرقتهم، فلذلك قوله تعالى: {فلهُم عذابُ جهنَّمَ ولهْم عذابُ الحريق} يعني في الدنيا.
{وهُمْ على ما يَفْعلونَ بالمؤمنينَ شُهودٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن أصحاب الأخدود هم على عذاب المؤمنين فيها شهود، وهو ظاهر من قول قتادة.
الثاني: أنهم شهود على المؤمنين بالضلال، قاله مقاتل.

.تفسير الآيات (11- 22):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}
{إنه هو يُبْدِئ ويُعيدُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يحيى ويميت، قاله ابن زيد.
الثاني: يميت ثم يحيى، قاله السدي.
الثالث: يخلق ثم يبعث، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: يبدئ العذاب ويعيده، قاله ابن عباس.
ويحتمل خامساً: يبدئ ما كلف من أوامره ونواهيه، ويعيد ما جزى عليه من ثواب وعقاب.
{وهو الغَفورٌ الوَدُودُ} في الغفور وجهان:
أحدهما: الساتر للعيوب.
الثاني: العافي عن الذنوب.
وفي الودود وجهان:
أحدهما: المحب.
الثاني: الرحيم.
وفيه ثالث: حكاه المبرد عن اسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر:
وأرْكبُ في الرّوْع عُريانةً ** ذلول الجناح لقاحاً وَدُوداً

أي لا ولد لها تحن إليه، ويكون معنى الآية أنه يغفر لعباده، وليس ولد يغفر لهم من أجله، ليكون بالمغفرة متفضلاً من غير جزاء.
{ذو العَرْشِ المجيدُ} فيه وجهان:
أحدهما: الكريم، قاله ابن عباس.
الثاني: العالي، ومنه المجد لعلوه وشرفه.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه من صفات الله تعالى، وهو قول من قرأ بالرفع.
الثاني: أنه من صفة العرش، وهو قول من قرأ بالكسر.
ويحتمل إن كان صفة للعرش وجهاً ثالثاً: أنه المحكم.
{بل هو قُرآنٌ مَجِيْدٌ في لَوْحٍ مَّحفوظٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أن اللوح هو المحفوظ عند الله تعالى، وهو تأويل من قرأ بالخفض.
الثاني: أن القرآن هو المحفوظ، وهو تأويل من قرأ بالرفع وفيما هو محفوظ منه وجهان:
أحدهما: من الشياطين.
الثاني: من التغيير والتبديل.
وقال بعض المفسرين: إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه.

.سورة الطارق:

.تفسير الآيات (1- 10):

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}
قوله تعالى: {والسماءِ والطارقِ} هما قسمَان: {والسماءِ} قَسَمٌ، {والطارقِ} قَسَمٌ.
{الطارق} نجم، وقد بيّنه الله تعالى بقوله: {وما أدْراكَ ما الطارقُ * النجْمُ الثّاقبُ} ومنه قول هند بنت عتبة:
نحْنُ بنات طارِق ** نمْشي على النمارق

تقول: نحن بنات النجم افتخاراً بشرفها، وإنما سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل، والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقاً، قال الشاعر:
ألا طَرَقَتْ بالليلِ ما هجَعوا هندُ ** وهندٌ أَتى مِن، دُونها النأيُ والصَّدّ

وأصل الطرق الدق، ومنه سميت المطرقة، فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق.
وفي قوله {النجم الثاقب} ستة أوجه:
أحدها: المضيء، قاله ابن عباس.
الثاني: المتوهج، قاله مجاهد.
الثالث: المنقصّ، قاله عكرمة.
الرابع: أن الثاقب الذي قد ارتفع على النجوم كلها، قاله الفراء.
الخامس: الثاقب: الشياطين حين ترمى، قاله السدي.
السادس: الثاقب في مسيره ومجراه، قاله الضحاك.
وفي هذا النجم الثاقب قولان:
أحدهما: أنه زُحل، قاله عليّ.
الثاني: الثريّا، قاله ابن زيد.
{إن كُلُّ نفْسٍ لّما عليها حافِظٌ} فيه وجهان:
أحدهما: (لّما) بمعنى إلاّ، وتقديره: إنْ كل نفس إلاَّ عليها حافظ، قاله قتادة.
الثاني: أن (ما) التي بعد اللام صله زائدة، وتقديره: إن كل نفس لعليها حافظ، قاله الأخفش.
وفي الحافظ قولان:
أحدهما: حافظ من الله يحفظ عليه أجله ورزقه، قاله ابن جبير.
الثاني: من الملائكة يحفظون عليه عمله من خير أو شر، قاله قتادة.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون الحافظ الذي عليه عقله، لأنه يرشده إلى مصالحه، ويكفّه عن مضاره.
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْن الصُّلْبِ والتّرائِب} فيه قولان:
أحدهما: من بين صلب الرجل وترائبه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: بمعنى أصلاب الرجال وترائب النساء.
وفي الترائب ستة أقاويل:
أحدها: أنه الصدر، قاله ابن عياض، ومنه قول دريد بن الصمة.
فإنَّ تُدْبروا نأخذكُم في ظهوركم ** وإنْ تُقْبِلُوا نأخذكُم في الترائب

الثاني: ما بين المنكبين إلى الصدر، قاله مجاهد.
الثالث: موضع القلادة، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
والزعفران على ترائبها ** شرق به اللّباتُ والنحْرُ

الرابع: أنها أربعة أضلاع من الجانب الأسفل، قاله ابن جبير، وحكى الزجاج أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.
الخامس: أنها بين اليدين والرجلين والعينين، قاله الضحاك.
السادس: هي عصارة القلب، قاله معمر بن أبي حبيبة.
{إنّه على رَجْعِهِ لقادرٌ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: على أن يرد المني في الإحليل، قاله مجاهد.
الثاني: على أن يرد الماء في الصلب، قاله عكرمة.
الثالث: على أن يرد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، قاله الضحاك.
الرابع: على أن يعيده حيّاً بعد موته، قاله الحسن وعكرمة وقتادة.
الخامس: على أن يحبس الماء فلا يخرج.
ويحتمل سادساً: على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة لأن الكفار يسألون الله فيها الرجعة.
{يومَ تُبْلَى السّرائرُ} أي تَظْهَر.
ويحتمل ثانياً: أن تبتلى بظهور السرائر في الآخرة بعد استتارها في الدنيا.
وفيها قولان:
أحدهما: كل ما استتر به الإنسان من خير وشر، وأضمره من إيمان أو كفر، كما قال الأحوص:
ستُبلَى لكم في مُضْمَرِ السِّرِّ والحشَا ** سَريرةُ ودٍّ يومَ تُبلَى السرائرُ.

الثاني: هو ما رواه خالد عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأمانات ثلاث: الصلاة والصوم والجنابة، استأمن الله ابن آدم على الصلاة، فإن شاء قال: قد صليت ولم يُصلّ، استأمن الله ابن آدم على الصوم، فإن شاء قال: قد صمت ولم يصم، استأمن الله ابن آدم على الجنابة، فإن شاء قال: قد اغتسلت ولم يغتسل، اقرؤوا إن شئتم: {يوم تُبْلى السّرائرُ}».
{فما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصَرٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن القوة العشيرة، والناصر: الحليف، قاله سفيان.
الثاني: فما له من قوة في بدنه، ولا ناصر من غيره يمتنع به من الله، أو ينتصر به على الله، وهو معنى قول قتادة.
ويحتمل ثالثاً: فما له من قوة في الامتناع، ولا ناصر في الاحتجاج.